الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا يتحقق في الوجود إلا بقاضيين فهو كالمركب بالنسبة لما قبله كذا في فتح القدير وهو أولى مما ذكر الشارح من أن هذا الباب ليس من كتاب القضاء؛ لأنه إما نقل شهادة أو نقل حكم وكل ذلك ليس منه وإنما أورده فيه؛ لأنه من عمل القضاة فكان ذكره فيه أنسب ا هـ. وحيث كان من عملهم فهو منه فكيف ينفيه والمراد بغيره ما ذكره في هذا الباب من قوله وتقضي المرأة إلى آخره. (قوله: يكتب القاضي إلى القاضي في غير حد وقود) أي استحسانا والقياس أن لا يجوز؛ لأن كتابته لا تكون أقوى من عبارته وهو لو أخبر القاضي الآخر في محله لم يعمل بخبره فكتابته أولى؛ لأنه قد يزور وإنما جوزناه لأثر علي رضي الله عنه وللحاجة ولا يستغنى عنه بالشهادة على الشهادة؛ لأن القاضي يحتاج فيها إلى تعديل الأصول وقد يتعذر ذلك ولم يجز في الحدود القصاص لما فيه من الشبهة بزيادة الاحتمال ويدخل تحت قوله في غير حد وقود كل شيء من الدين والنكاح والطلاق والشفعة والوكالة والوصية والإيصاء والموت والوراثة والقتل إذا كان موجبه المال والنسب من الحي والميت والغصب والأمانة المجحودة من وديعة ومضاربة وعارية والأعيان منقولا أو عقارا وهو المروي عن محمد وعليه المتأخرون وبه يفتى للضرورة وفي ظاهر الرواية لا يجوز في المنقول للحاجة إلى الإشارة إليها عند الدعوى والشهادة وعن الإمام الثاني تجويزه في العبد لغلبة الإباق فيه لا في الأمة وعنه تجويزه في الكل. وفي البزازية والمتقدمون لم يأخذوا بقول الإمام الثاني وعمل الفقهاء اليوم على التجويز في الكل للحاجة قال الإمام الإسبيجابي وعليه الفتوى ولو جاء المدعي من القاضي برسول ثقة مأمون عدل إلى قاض آخر لا يقبل؛ لأنه لا يزيد على أن يأتي القاضي بنفسه ويخبر وهو في غير ولايته كواحد من الرعايا بخلاف كتابه؛ لأنه كالخطاب من مجلس قضائه دلت التفرقة على مسألتين الأولى بلدة فيها قاضيان حضر أحدهما مجلس القاضي الآخر وأخبر بحادثة لا يجوز له أن يعمل بخبره وحده ولو كتب إليه بشرطه له العمل به وكذا لو حضر قاضيان في مصر ليس فيه مجلس قاض أو أحدهما قاض فيه والآخر ليس بقاض فيه لا يعمل بخبر من ليس بقاض فيه لعدم الولاية كقاض ببخارى التقى مع قاض بخوارزم وأخبره بحادثة حكم فيها ببخارى لا يعمل بإخباره قاضي خوارزم. ا هـ. وقد ذكر قاضي خان في فتاويه مسائل الأولى طلب من القاضي أن يسمع شهوده على الإبراء أو إيفاء الدين ويكتب له كتابا بذلك خوفا من رب الدين أن يدعي عليه إذا ذهب إليه لم يكتب في قول أبي يوسف ويكتب في قول محمد. الثانية لو كان صاحب الدين حاضرا وطلب من القاضي أن يسأله فإذا أنكر برهن ليكتب له لم يسأله إجماعا وهذه حجة على محمد في السابقة. الثالثة امرأة جاءت إلى القاضي وقالت طلقني زوجي فلان ثلاثا وتزوجت بآخر بعد العدة وأخاف إنكاره فاسأله فإن أنكر برهنت سأله القاضي إجماعا وهي حجة على أبي يوسف. الرابعة ادعى أنه مشتر دارا لها شفيع سلمها وهي في بلد كذا وطلب أن يسمع شهوده ويكتب لا يكتب وقال محمد يكتب في هذه المسائل كلها احتياطا احترازا عن تضييع الحقوق وأجمعوا على أن المديون أو المشتري أو المرأة لو قال إن صاحب الدين والشفيع والزوج قد تعرض لي فيما ادعى فاسمع شهودي فإن القاضي يسمع ويكتب. ا هـ. أطلق القاضي فأفاد أن قاضي مصر يكتب إلى قاضي مصر آخر وإلى قاضي السواد والرستاق ولا يكتب قاضي الرستاق إلى قاضي مصر كذا في السراج الوهاج معزيا إلى الينابيع ثم قال وإنما يقبل إذا كان بينهما مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا أما إذا كان أقل من ذلك لا يقبل وفي نوادر هشام إذا كان في المصر قاضيان جاز كتابهما إلى بعضهما في الأحكام ثم قال وإذا كان الكتاب الذي ورد عليه لمن لا تقبل شهادته له كالوالدين والزوجة جاز القضاء به بخلاف ما إذا ترافعوا إليه من غير كتاب. ا هـ. (قوله: فإن شهدا على خصم حاضر حكم بالشهادة) لوجود الحجة وشرط الحكم وهو حضور الخصم والمراد بالخصم الحاضر من كان وكيلا من جهة المدعى عليه أو مسخرا وهو من نصبه القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الدعوى عليه وإلا لو أراد بالخصم المدعى عليه لم يبق حاجة إلى الكتاب إلى القاضي الآخر؛ لأن الخصم حاضر عند القاضي وقد حكم عليه وإذا حكم كتب بحكمه إلى قاضي البلد التي فيها الموكل ليقتضي منه الحق كذا في فتح القدير. (قوله: وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا) لئلا ينسى الواقعة على طول الزمان وليكون الكتاب مذكرا لها وإلا فلا يحتاج إلى كتابة الحكم؛ لأنه قد تم لحضور الخصم بنفسه أو من يقوم مقامه إلا إذا قدر أنه غاب بعد الحكم عليه وجحده فحينئذ يكتب له ليسلم إليه حقه أو لينفذ حكمه وفي المصباح السجل كتاب القاضي والجمع سجلات وأسجلت للرجل إسجالا كتبت له كتابا وسجل القاضي بالتشديد قضى وحكم وأثبت حكمه في السجل ا هـ. فالسجل الحجة التي فيها حكم القاضي ولكن هذا في عرفهم وفي عرفنا السجل كتاب كبير يضبط فيه وقائع الناس وما يحكم به القاضي وما يكتب عليه. (قوله: وإلا لم يحكم) أي وإن لم يكن الخصم حاضرا لا يحكم؛ لأن الحكم على الغائب لا يجوز لما عرف ولو حكم به حاكم يرى ذلك ثم نقل إليه نفذه بخلاف الكتاب الحكمي حيث لا ينفذ خلاف مذهبه؛ لأن الأول محكوم به فلزمه والثاني ابتداء حكم فلا يجوز له كذا ذكر الشارح وهو يدل على أن الحاكم على الغائب إذا كان حنفيا فإن حكمه لا ينفذ لقوله يرى ذلك وهو مفيد؛ لأن معنى قولهم إن القضاء على الغائب ينفذ في أظهر الروايتين إذا كان القاضي شافعيا. (قوله: وكتب الشهادة ليحكم المكتوب إليه بها وهو الكتاب الحكمي) منسوب إلى الحكم باعتبار ما يئول إليه (وهو نقل الشهادة في الحقيقة)؛ لأن الكاتب لم يحكم بها وإنما نقلها للمكتوب إليه ليحكم بها ولهذا يحكم المكتوب إليه برأيه وإن كان مخالفا لرأي الكاتب بخلاف السجل فإنه ليس له أن يخالفه وينقض حكمه وفي منية المفتي ورد كتاب قاض إلى قاض آخر في حادثة لا يراه القاضي المكتوب إليه وهي مختلف فيها لا ينفذه وإن ورد فيها سجل نفذه؛ لأن السجل محكوم به دون الكتاب ولهذا له أن لا يقبل الكتاب دون السجل. ا هـ. فقد أفاد عدم وجوب قبول الكتاب على المكتوب إليه وفي كتاب المحاضر والسجلات من الظهيرية قال القاضي الإمام ثقة الدين محمد بن علي الحلواني صحبت كثيرا من القضاة الكبار فما رأيتهم أجابوا إلى شيء من الحوادث المجتهد فيها في الكتابة إلى القاضي الشافعي إلا في اليمين المضافة فإن دلائل أصحاب الحديث في ذلك واضحة وبراهينهم فيها لائحة والشبان يتجاسرون إلى هذه اليمين ثم يحتاجون إلى التزوج فيضطرون إلى ذلك فلو لم يجبهم القاضي إلى ذلك ربما يقعون في الفتنة. ا هـ. (قوله: وقرأ عليهم وختم عندهم وسلم إليهم) أي القاضي الكاتب يفعل ذلك ليعلموا ما فيه ليشهدوا عند الثاني ولا بد لهم من حفظ ما فيه ولهذا قيل ينبغي أن يكون معهم نسخة أخرى مفتوحة فيستعينوا منها على الحفظ فإنه لا بد من التذكر من وقت الشهادة إلى وقت الأداء عندهما ولم يذكر العنوان وهو من شرائطه وهو أن يكتب فيه اسمه واسم أبيه وجده وكذا المكتوب إليه ويكتبه من داخل فلو كان على الظاهر لم يقبل وفي عرفنا العنوان يكون على الظاهر فيكتفي به ويكتب فيه اسم المدعي والمدعى عليه على وجه يقع التمييز بذكر جدهما ويذكر الحق فيه ويذكر الشهود إن شاء وإن شاء اكتفى بذكر شهادتهم وعن أبي يوسف أنه لا يشترط على الشهود إلا نقل الكتاب والشهادة على أنه كتاب فلان ولا على القاضي سوى كتابة الحاجة التي لا بد من معرفتها واختاره شمس الأئمة لكونه أسهل. (قوله: فإن وصل إلى المكتوب إليه نظر إلى ختمه لم يقبله بلا خصم وشهود)؛ لأنه للحكم به فلا يقبله إلا بحضور الخصم كالشهادة ولا بد من إسلام الشهود ولو كان الكتاب لذمي على ذمي؛ لأنهم يشهدون على فعل المسلم وإنما يحتاج إليهم إذا أنكر الخصم كونه كتاب القاضي أما إذا أقر فلا حاجة إليهم بخلاف كتاب الأمان إلى أهل الحرب حيث يعمل به بلا بينة؛ لأنه ليس بملزم ومعناه إذا جاء الكتاب من ملكهم يطلب الأمان كما في العناية وقد كتبنا في الفوائد الفقهية أنه لا يعمل بالخط إلا في مسألة كتاب الأمان وفي دفتر البياع والصراف والسمسار فإنه حجة والمراد بعدم قبوله بلا خصم عدم قراءته لا مجرد قبوله فإنه لا يتعلق به حكم كذا في فتح القدير وجوز أبو يوسف قبوله بلا بينة ولكن لا يعمل به إلا ببينة وفي السراجية يقبل كتاب القاضي إلى القاضي مع كسر الختم كذا عن شمس الأئمة الحلواني. (قوله: فإن شهدوا أن كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا وختمه فتحه القاضي وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه) يعني إذا ثبتت عدالتهم عنده بأن كان يعرفهم بالعدالة أو وجد في الكتاب عدالتهم أو سأل من يعرفهم من الثقات فزكوا، وأما قبل ظهور عدالتهم فلا يحكم به ولا يلزم الخصم وذكر الخصاف أنه لا يفتحه إلا بعد ظهور العدالة وصححه في السراج الوهاج قيد بقوله سلمه إلينا آخره؛ لأنهم إذا قالوا لم يسلمه إلينا أو لم يقرأه علينا أو لم يختمه بحضرتنا لم يعمل به. وقال أبو يوسف إذا شهدوا أن هذا كتاب فلان القاضي قبل وإن لم يقولوا قرأه علينا وشرط في الذخيرة حضور الخصم لقبول البينة بأنه كتاب فلان لا لقبول الكتاب حتى لو قبله مع غيبة الخصم جاز والأشبه أن يكون هذا قول أبي يوسف ولم يشترط المؤلف مسافة بين القاضيين للاختلاف فيها فظاهر الرواية أنه لا بد من مسيرة ثلاثة أيام كالشهادة على الشهادة وجوزهما محمد وإن كانا في مصر واحد وعن أبي يوسف إن كان في مكان لو غدا لأداء الشهادة لا يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد والكتابة وفي السراجية وعليه الفتوى. (قوله: ويبطل الكتاب بموت الكاتب وعزله) يعني قبل وصول الكتاب إلى الثاني أو بعد وصوله قبل القراءة؛ لأنه بمنزلة الشهادة على الشهادة وقال أبو يوسف لا يبطل، وأما بعدهما فلا يبطل في ظاهر الرواية وجنون الكاتب وردته وحده لقذف وعماه كعزله ذكره الشارح وإذا قبله المكتوب إليه فيما إذا بطل وحكم به ثم رفع إلى آخر فأمضاه جاز لمصادفته الاجتهاد وإذا كان الاختلاف في نفس القضاء فإنه ينفذ بالتنفيذ من قاض آخر ولو فسق الكاتب أو خرج عن أهلية الشهادة فإن المكتوب إليه لا يقضي به سواء كان قبل قراءته أو بعدها كذا في الخانية وهو بإطلاقه مخالف لما قدمناه عن الشارح وفي السراج الوهاج ولو شهد شهود بحق ثم مات القاضي المشهود عنده وولي قاض آخر لم ينفذ تلك الشهادة حتى تعاد. ا هـ. وقد ذكروا هنا أن مما يبطل كتابه فسقه وهو محمول على ما إذا كان عدلا ففسق عند البعض. (قوله: وبموت المكتوب إليه إلا إذا كتب بعد اسمه وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين) أي يبطل الكتاب؛ لأن الكاتب اعتمده إلا إذا عمم لاعتماده الكل قيد بقوله بعد اسمه؛ لأنه لو عمم ابتداء لم يجز أن يحكم به أحد وأجازه أبو يوسف حين ابتلي بالقضاء واختاره كثير من المشايخ تسهيلا للأمر وفي الخلاصة وعليه عمل الناس اليوم. (قوله: لا بموت الخصم) أي لا يبطل الكتاب بموت الخصم؛ لأن وارثه يقوم مقامه أطلقه فشمل المدعي والمدعى عليه وشمل ما إذا كان تاريخ الكتاب بعد موت المطلوب أو قبله؛ لأن وارث المطلوب والوصي قائم مقامه كذا في الخانية قيد بموت الخصم؛ لأن عدم حضرته عند القاضي الكاتب تبطل كتابته فلا يحكم عليه بشهادة أولئك حتى يشهدوا عنده بحضرة الخصم كذا في السراجية ولو ردد بين قاضيين كتب إلى فلان أو فلان صح وشرحه في شرح أدب الخصاف وسيأتي بعد. (فروع) يجوز على كتاب القاضي الشهادة على الشهادة كما جاز فيه شهادة النساء؛ لأنه يثبت مع الشبهات ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي ولاه أصلح الله أمر الأمير ثم قص القصة وهو معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير فالاستحسان أن للأمير إمضاءه؛ لأنه متعارف ولا يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير ليخبره وشرطنا فيه شرط كتاب القاضي إلى القاضي كذا في فتح القدير ولو سمع الخصم بوصول كتاب القاضي البلدة فهرب إلى بلدة أخرى كان للقاضي المكتوب إليه أن يكتب إلى قاضي تلك البلدة بما يثبت عنده من كتاب القاضي فكما جوزنا للأول الكتابة جوزنا للثاني والثالث وهلم جرا للحاجة ولو كتب فلم يخرج من يده حتى رجع الخصم لم يحكم عليه بتلك الشهادة التي سمعها من شهود الكتاب بل يعيد المدعي شهادتهم ويكتب القاضي بعلمه كالقضاء بعلمه والتفاوت هنا أن القاضي يكتب بالعلم الحاصل قبل القضاء بالإجماع كذا قال بعضهم وإذا أقام شاهدا عند القاضي وسأل القاضي أن يكتب بذلك كتابا إلى قاض آخر فعل فإنه قد يكون له شاهد في محل المكتوب إليه كذا في فتح القدير والأصح أن الكتابة بعلمه كالقضاء بعلمه كذا في شرح أدب الخصاف. (قوله: وتقضي المرأة في غير حد وقود)؛ لأنها أهل للشهادة في غيرهما فكانت أهلا للقضاء لكن يأثم المولي لها للحديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري وفي فتح القدير ألا ترى أنها تصلح شاهدة وناظرة في الأوقاف ووصية على اليتامى ا هـ. فظاهره صحة تقريرها في النظر والشهادة في الأوقاف وإن لم يكن بشرط الواقف وقد أفتيت فيمن شرط الشهادة في وقفه لفلان ثم من بعده لولده فمات وترك بنتا أنها تستحق وظيفة الشهادة واستغربه بعض القضاة ولا عبرة به بعدما ذكرنا، وأما سلطنتها فصحيحة وقد ولي مصر امرأة تسمى شجرة الدر جارية الملك الصالح بن أيوب وفي الخلاصة لو قضت في الحدود والقصاص فرفع إلى قاض آخر فأمضاه ليس لغيره أن يبطله ا هـ. وأشار المؤلف إلى صلاحيتها للنظارة على الوقف والوصاية على اليتامى بالأولى كما في فتح القدير، وأما قضاء الخنثى فيصح بالأولى وينبغي أن لا يصح في الحدود والقصاص لشبهة الأنوثة ا هـ. (قوله: ولا يستخلف قاض إلا أن يفوض إليه ذلك)؛ لأنه فوض إليه القضاء دون التقليد به فلا يتصرف في غير ما فوض إليه كالوكيل لا يوكل بدون إذن الموكل أطلقه فشمل ما إذا كان بعذر أو لا كما في العناية فلو استخلف بلا إذن فحكم الخليفة فأجازه القاضي جاز حيث كان الخليفة أهلا للقضاء فإن كان رقيقا أو محدودا في قذف أو كافرا لم يجز وكذا إذا قضى بحضرة القاضي كما في الوكالة؛ لأن المقصود حضور رأيه وفي آخر جامع الفصولين القاضي لو قضى في كل أسبوع يومين بأن كان له ولاية القضاء في يومين من كل أسبوع لا غير فقضى في الأيام التي لم تكن له ولاية القضاء فإذا جاءت نوبته أجاز ما قضى جازت ا هـ فدخل الفضولي في القضاء وهو أعم من القاضي وظاهر كلامهم أن إجازة قضاء الفضولي لا تتوقف على كون الفضولي خليفة من قاض ليس له ولاية الاستخلاف بل لو قضى فضولي بلا استخلاف أصلا فأجازه القاضي جاز. ثم اعلم أن قولهم كما في الوكالة معناه الوكالة بالبيع والنكاح ونحوهما أما الوكيل بالطلاق والعتاق إذا أجاز أو حضر لم يصح لأن المقصود عبارته كما في المنية وشمل التفويض إليه ما إذا كان صريحا بأن قال له ول من شئت أو دلالة كجعلتك قاضي القضاة والدلالة هنا أقوى؛ لأن في الصريح المذكور يملك الاستخلاف لا العزل وفي الدلالة يملكهما كقوله ول من شئت واستبدل من شئت فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف فيهم مطلقا تقليدا وعزلا وإذا قال له ول من شئت واستخلف كان نائبا عن الإمام في التولية فلا يملك عزله كالوكيل إذا وكل بإذن ولا ينعزل بموته وينعزلان بموت الموكل بخلاف الوصي حيث يملك الإيصاء إلى غيره ويملك التوكيل والعزل في حياته لرضى الموصي بذلك دلالة لعجزه بخلاف الإمام والموكل وبخلاف المستعير فإن له الإعارة بشرطه؛ لأنه لما ملك المنفعة ملك تمليكها وفي الملتقط القاضي إذا استخلف خليفة فقضى للقاضي لا يجوز والطريق فيه أن يتحاكما أو ينصب الإمام قاضيا آخر لهذه الحادثة. ا هـ. وفي السراجية القاضي إذا وقعت له حادثة أو لولده فأناب غيره وكان من أهل الإنابة تخاصما عنده وقضى له أو لولده جاز القاضي إذا قضى للإمام الذي قلده القضاء أو لولد الإمام جاز ا هـ. وفي البزازية كما في السراجية وفي الخلاصة الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف ثم وثم ا هـ. وفيها وإن أرادوا أن يثبتوا قضاء الخليفة عند القاضي الأصلي فهو كما لو أثبتوا قضاء قاض آخر عند هذا القاضي وفي أدب القاضي للصدر الشهيد النائب يقضي بما شهدوا عند الأصل وكذا الأصل يقضي بما شهدوا عند النائب ا هـ. وفي البزازية جرى الخلع بين الزوجين عند القاضي مرتين فقال نائبه كان قد جرى عندي مرة أخرى والزوج ينكر فقال القاضي الإمام لا يقضي القاضي بالحرمة الغليظة بكلام النائب أما النائب يقضي بكلام القاضي إذا أخبره ا هـ. ثم قال في نوع في الإمضاء والنائب يقضي بما شهدوا عند الأصل وكذا القاضي يقضي بما شهدوا عند النائب أمر القاضي الخليفة أن يسمع القضية والشهادة ويكتب الإقرار ولا يقطع الحكم يفعل ما أمره القاضي وليس له أن يحكم ليس للقاضي أن يحكم بإخبار خليفته بشهادة الشهود عنده؛ لأنه ليس بقاض وكذا لو أخبره بإقرار رجل إلا أن يشهد هو مع آخر وقد تناطقت أجوبة أئمتنا بخوارزم أن شهادة مسخرة القاضي وشهادة الوكلاء المفتعلة ببابه لا تقبل بخلاف نوابهم إلا أهل العدل وقد رأيت بنواحي خوارزم وبها جماعة ممن فوض إليهم القضاء وكذا ببعض نواحي دشت. لا يصح القضاء بشهادتهم فكيف قضاؤهم وسئلت عن شهادة بعضهم أنه تقبل فقلت: نعم تقبل مع عدلين وكل ذلك من تهاون أمر الدشت بالشرع وقد رأيت من العجائب أن واحدا من أمرائه الذي يدعي أنه لم يمض مثله دينا قلد قضاء مدينة إلى شاب جاهل لا يعرف قرآنا ولا خطا حتى يقضي بأربعة مذاهب فقلت: له فيه فقال: إنا أعلم بالمصلحة والله يعلم المفسد من المصلح. ا هـ. فالحاصل أن القاضي إذا ولى الخليفة القضاء عمل بقوله وإن ولاه سماع الدعوى والشهادة فقط لا يعمل بقوله فلا تناقض كما لا يخفى وفائدة هذا الاستخلاف أن ينظر الخليفة هل للمدعي شهود أو يكذب فلعل له شهودا إلا أنهم غير عدول وقد لا تتفق ألفاظهم فيفوض القاضي النظر إلى الخليفة كذا في الخانية وقد سئلت عن صحة تولية القاضي ابنه قاضيا حيث كان مأذونا له بالاستخلاف فأجبت بنعم والله أعلم أطلق في الاستخلاف فشمل ما إذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهب القاضي أو مخالفا وفي البزازية ولو فوض إلى غيره ليقضي على وفق مذهبه نفذا إجماعا. ا هـ. وظاهر إطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف صريحا أو دلالة يملكه قبل الوصول إلى محل قضائه كما يملكه بعهده وقد جرت عادتهم إذا ولوا ببلد السلطان قضاء بلدة بعيدة بإرسال خليفة يقوم مقامهم إلى حضورهم وقد سئلت عنها في سنة تسع وتسعين وتسعمائة فأجبت بذلك والله الموفق ثم رأيت الأجل الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء للخصاف قال في الباب السادس عشر القاضي إنما يصير قاضيا إذا بلغ الموضع الذي قلد فيه القضاء ألا ترى أن الأول لا ينعزل ما لم يبلغ هو البلد الذي قلد فيه القضاء فكان هو في ذلك المكان بمنزلة واحد من الرعايا. ا هـ. وهو يفيد أن القاضي لا يملك الاستخلاف قبل وصوله إلى محل عمله لكنه ذكر في الباب السادس أنه ينبغي للقاضي أن يقدم نائبه قبل وصوله حتى يتعرف على أحوال الناس ا هـ. إلا أن يقال إن قاضي القضاة مأذون بالاستخلاف قبل الوصول من السلطان فلا كلام وهذا هو الواقع الآن وقيد باستخلافه قاضيا؛ لأن له التوكيل والإيصاء بلا إذن السلطان وأورد هذا إشكالا على منعه من تقليد القضاء فإن التعليل المذكور يجري فيها وأجاب عنه في العناية بأن المقلد يفعل ما لا يفعله الوكيل والوصي فيكون توقع الفساد في القضاء أكثر. ا هـ. (قوله: بخلاف المأمور في الجمعة) يعني فإن له الاستخلاف وإن لم يفوض إليه ذلك؛ لأن الإمام الأعظم لما فوضها إليه مع علمه أن العوارض المانعة من إقامتها من المرض والحدث في الصلاة مع ضيق الوقت وغيرهما تعتريه ولا يمكن انتظار الإمام الأعظم؛ لأنها لا تحتمل التأخير عن الوقت فكان إذنا له بالاستخلاف دلالة وتأخير سماع الخصومة إلى وجود الإذن من الإمام الأعظم ممكن؛ لأنه غير مؤقت بوقت كذا في المعراج فظاهره أن الاستخلاف جائز وإن لم يكن لسبق الحدث في الصلاة كما إذا مرض الخطيب أو سافر أو حصل له مانع فاستناب خطيبا مكانه وفي فروق الكرابيسي ما يفيده أيضا فإنه قال فرق بين القاضي والإمامة فإن القاضي لا يملك الاستخلاف إلا بإذن والإمام للجامع يملك بدونه والفرق أن الضرورة متحققة هاهنا لجواز أن يسبقه الحدث قبل الصلاة فلو توقف على الإذن تفوت الجمعة ولا كذلك في القضاء. ا هـ. وبهذا علم أن ما ذكره في شرح الدرر والغرر من أن الخطيب ليس له الاستخلاف ابتداء إلا بإذن لا أصل له فإنما هو فهم فهمه من بعض العبارات وقد صرح العلامة محب الدين بن جرباش شيخ شيخنا في النجعة في تعداد الجمعة بأن إذن السلطان بإقامة الخطبة شرط أول مرة فيكون الإذن منسحبا لتولية النظار الخطباء وإقامة الخطيب نائبا ولا يشترط الإذن لكل خطيب وقد أوضحناه في الجمعة ثم إن أحدث الخطيب بعدما خطب قبل الشروع في الصلاة لم يجز له أن يستخلف إلا من شهد الخطبة؛ لأنها شرط فيها فلا تنعقد بدونها وإن كان شرع فيها جاز أن يستخلف من لم يدركها لانعقادها بالأصل فكان الثاني بانيا وفي العناية واعترض بمن أفسد صلاته ثم افتتح بهم الجمعة فإنه جائز وهو مفتتح في هذه الحالة لم يشهد الخطبة وأجيب بأنه لما صح شروعه في الجمعة وصار خليفة للأول التحق بمن شهد الخطبة وأرى أن إلحاقه بالباني لتقدم شروعه في تلك الصلاة الأولى فتأمل. ا هـ. (قوله: وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه إن لم يخالف الكتاب والسنة المشهورة والإجماع) لترجح الاجتهاد الأول بالقضاء فلا ينقضه أطلقه فشمل ما إذا كان موافقا لرأيه أو مخالفا لكون لفظ الحكم نكرة في سياق الشرط فتعم فليس في كلامه ما يوهم أنه إنما يمضيه إذا كان موافقا لرأيه كما زعم الشارح وفي الجامع الصغير وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه وفي المعراج وإنما ذكر لفظ الجامع بهذا اللفظ المذكور؛ لأن فيه فائدتين إحداهما أنه قيد بالفقهاء؛ لأن القاضي إذا كان غير عالم بموضع الاجتهاد فاتفق قضاؤه في موضع الاجتهاد فعلى قول عامة المشايخ لا يجب على الثاني تنفيذه كذا ذكره في فصول الأسروشني محالا إلى المحيط والذخيرة فقال لو قضى في فصل مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك قيل ينفذ قضاؤه وعامتهم لا ينفذ وإنما ينفذ إذا علم بكونه مجتهدا فيه قال شمس الأئمة هذا هو ظاهر المذهب والثاني أنه قيد بقوله يرى غير ذلك وفي رواية القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل أن قوله أمضاه فيما إذا كان موافقا. ا هـ. وفي الخلاصة أن هذا الشرط يعني كونه عالما بالاختلاف وإن كان ظاهر المذهب لكن يفتى بخلافه والتحقيق المعتمد أن علمه بكون ما حكم فيه مجتهدا فيه شرط، وأما علمه بكون المسألة اجتهادية فلا ويدل عليه ما في الفتاوى الصغرى وشمل قوله حكم قاض ما إذا كان الحكم موافقا لرأيه ومخالفا وما إذا كان القاضي باقيا على قضائه أو مات أو عزل كما في خزانة الأكمل فلو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة وفي العامد روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف الترجيح ففي الخانية أظهر الروايتين عن أبي حنيفة نفاذ قضائه وعليه الفتوى ا هـ. وهكذا في الفتاوى الصغرى وفي المعراج معزيا إلى المحيط الفتوى على قولهما وهكذا في الهداية وفي فتاوى ظهير الدين استحق للسلطان أن ينقضه. ا هـ. وفي فتح القدير فقد اختلف في الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل، وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم ا هـ. ثم اعلم أن عبارات المشايخ قد اختلفت في هذه المسألة أعني ما إذا قضى المقلد بخلاف مذهبه موافقا لمذهب مجتهد ففي البزازية معزيا إلى شرح الطحاوي إذا لم يكن القاضي مجتهدا وقضى بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله أن ينقضه كذا عن محمد وقال الثاني ليس له أن ينقضه أيضا. ا هـ. وهكذا ذكر العمادي في الفصول ثم قال القاضي إذا قضى في محل الاجتهاد وهو يرى خلاف ذلك في بعض المواضع أنه لا ينفذ وفي بعضها أنه ينفذ ولم يذكر فيه خلافا والصحيح أن فيه خلافا بين أبي حنيفة وصاحبيه وذكر في المحيط اختلاف الرواية في بعضها في نفاذ القضاء وفي بعضها في حل الإقدام على القضاء ا هـ. وفي عمدة الفتاوى القاضي إذا قضى بقول مرجوع عنه جاز وكذا لو قضى في فصل مجتهد فيه ا هـ. وكذا في السراجية وفي مآل الفتاوى قضى بخلاف مذهبه وهو مختلف فيه قال أبو حنيفة ينفذ وقال أبو يوسف لا ينفذ ا هـ. فقد تحرر أن القاضي المقلد إذا قضى بمذهب غيره فإنه ينفذ وكذا إذا قضى برواية ضعيفة أو بقول ضعيف لإطلاق قولهم أن القول الضعيف يتقوى بقضاء القاضي وما قيده به في فتح القدير من أن هذا إنما هو في المجتهد ثابت في بعض العبارات ولذا قال في القنية القاضي المقلد إذا قضى بخلاف مذهبه لا ينفذ ا هـ. ويخالفه ما أفتى به شيخه الشيخ عمر قارئ الهداية حين سئل عن وقف لم يحكم به رجع الواقف عنه ووقفه على جهة أخرى وحكم به قاض حنفي فهل يصح الثاني أم الأول أجاب بأن الثاني هو الصحيح وإن كان الفتوى على خلاف قول أبي حنيفة لكنه تأيد بحكم الحاكم وفي شرح منظومة ابن وهبان له صورة المسألة لو حكم الحاكم في واقعة بحكم بخلاف مذهب مقلده بفتح اللام يعني الإمام الذي يقلده وهذا إذا كان القاضي مقلدا وليس هو من أهل الاجتهاد كالقضاة الحنفية في زماننا مثلا هل يصح قضاؤه أو لا والجواب أنه إن كان ذاكرا لمذهبه لا يجوز وإلا جاز عنده خلافا لهما ا هـ. ومن العجيب أن صاحب البدائع قيد الخلاف بعكس ما في فتح القدير فقال ما نقل أن القاضي إذا قضى بخلاف مذهبه عمدا وقع باطلا وإن كان ناسيا عنده يصح وعندهما لا يصح وهذا إذا كان القاضي ليس من أهل الاجتهاد فأما إذا كان من أهل الاجتهاد فينبغي أن يصح قضاؤه في الحكم بالإجماع ولا يكون لقاض آخر أن يبطله ؛ لأنه لا يصدق على النسيان بل يحمل على أنه اجتهد فأدى اجتهاده إلى مذهب خصمه فقضى به فيكون قضاؤه باجتهاده فيصح. ا هـ. بلفظه والحق في هذه المسألة أن القاضي إذا حكم على خلاف مذهبه فإن كان متوهما أنه على وفقه باطل يجب نقضه وإن وافق مجتهدا فيه وإن كان معتمدا مذهب غيره فإنه لا ينقض وهذا التفصيل متعين في حكام زماننا فإنهم لا يعتمدون في أحكامهم على الاجتهاد لا مطلقا ولا مقيدا لكونهم مقلدين فإذا جرى منهم الحكم بخلاف مذهبهم فهو مقطوع بكونه منه خطأ فينقض وقولهم لا ينقض الحكم في المجتهدات معلل بأن الاجتهاد لا ينقض بمثله لا مطلقا فإذا كان القاضي متوهما أنه مذهبه فأخطأ فيه لم يكن مجتهدا فيه ومعنى قوله أمضاه حكم بمقتضاه وفي السراج الوهاج المراد من الحاكم القاضي والمراد من الإمضاء إلزام الحكم بعد دعوى صحيحة من خصم على خصم ولذا قال في البزازية وإن أرادوا أن يثبتوا حكم الخليفة عند الأصل لا بد من تقديم دعوى صحيحة على خصم حاضر وإقامة البينة كما لو أرادوا إثبات قضاء آخر ا هـ. فالحاصل أن الحكم المرفوع لا بد أن يكون في حادثة وخصومة صحيحة كما صرح به العمادي في الفصول والبزازي في الفتاوى قالا وهنا شرط لنفاذ القضاء في المجتهدات وهو أن يصير حادثة تجري بين يدي القاضي من خصم على خصم حتى لو فات هذا الشرط لا ينفذ القضاء؛ لأنه فتوى ا هـ. فلو رفع إلى حنفي قضاء مالكي بلا دعوى لم يلتفت إليه ويحكم بمقتضى مذهبه ولا بد في إمضاء الثاني لحكم الأول من الدعوى أيضا كما سمعت ولا يشترط إحضار شهود الأصل بل يكفي على قضاء القاضي قال في البزازية قاضي بلدة حكم على رجل بمال وسجل ثم مات القاضي وأحضر المدعي المحكوم عليه عند قاض آخر وبرهن على قضاء الأول أجبره الثاني على أداء المال إن كان الحكم الأول صحيحا ولو شهدوا أن قاضيا من قضاة البلد قضى بهذا المال لا يحكم به وفي كل فعل لا بد من تسمية الفاعل ونسبه فإن قال الشهود إن القاضي الأول غير عدل لا يمضي القاضي الثاني قضاءه ا هـ. وكتبنا في الفوائد الفقهية أن القاضي إذا ارتاب في حكم الأول له أن يطلب شهود الأصل وإذا علمت ذلك ظهر لك أن التنافيذ الواقعة في زماننا غير معتبرة لصدورها بلا دعوى وحادثة وإنما يقيم صاحب الواقعة بينة يشهدون على حكم القاضي فلان ليكتب له القاضي الثاني أنه اتصل به حكم الأول ونفذه فإن قلت: القاضي إذا قضى بشيء في حادثة بعد دعوى هل يكون قضاء فيما هو من لوازمه وإن لم يعلم به القاضي. قلت: لا لما في قضاء البزازية في فصل فسخ اليمين المضافة وإن زوجه رجل امرأة بلا أمره وأجاز بالفعل ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بنفسه ثم ترافعا إلى القاضي فإن أعلمه بتقدم نكاح الفضولي فقضى بالنكاح صح ويكون قد قضى ببطلان اليمين وببطلان نكاح الفضولي وببطلان الثلاث بعده وإن لم يعلم بتقدم النكاح يعلمه حتى يقضي في موضع الاجتهاد ويقصد بالقضاء اليمين المضافة ونكاح الفضولي ا هـ. ثم قال وروي عن الإمام الثاني فيمن قال كل امرأة يتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وهو لا يرى الوقوف فرفعته امرأته إلى قاض لا يرى الوقوع فقضى بصحة النكاح ثم تحول رأي الرجل إلى الوقوع فتزوج امرأة أخرى بعدها فإنه يمسك الأولى ويعمل برأيه الحادث في الحادثة فيفارقها؛ لأن القاضي إنما قضى بإبطال الطلاق في الأولى بالاجتهاد فنفذ قضاؤه فبعد ذلك بتحول رأيه لا يملك نقض رأيه ذلك، وأما الحادثة فيثبت عليها الحل الآن ولم يجر عليها حكم القاضي فيعمل برأيه والحيلة فيه أن يتزوج امرأة بعد فسخ ويدعي عند القاضي أنها زوجته بحكم الفسخ على امرأة أخرى وتزعم المرأة أنها عليه حرام أخذا بمذهب الثاني فيترافعان إلى القاضي الحنفي فيحكم القاضي الحنفي بأنها زوجته بمذهب محمد ا هـ. فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل فإذا قضى شافعي بصحة بيع عقار وموجبه لا يكون حكما منه بأن لا شفعة للجار لعدم حادثتها وكذا إذا قضى حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار وإن كانت الشفعة من مواجبه؛ لأن حادثتها لم توجد وقت الحكم ولا شعور للقاضي بها وكذا إذا قضى مالكي بصحة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه وقته فافهم فإن أكثر أهل الزمان عنه غافلون وشرط أن لا يخالف الكتاب والسنة والإجماع فإن خالف واحدا منها لم يمضه وإنما ينقضه لكونه ليس في محل الاجتهاد الصحيح وهو خلاف لا اختلاف ومثال ما خالف الكتاب القضاء بحل متروك التسمية عامدا لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} بناء على أنه شامل لذبائح المسلمين كالمشركين بناء على أن الواو في قوله تعالى: {وإنه لفسق} للعطف. وأما إذا كانت للحال كانت مقيدة بما أهل به لغير الله؛ لأن الفسق فسر به كذلك في قوله أو فسقا أهل به لغير الله ولذا قال في التحرير إن الواو تحتمل أن تكون حالا فتكون قيدا للنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ويحتمل أن يراد بما لم يذكر اسم الله عليه الميتة أو ما ذكر عليه اسم غير الله تعالى فإن الفسق هو ما أهل به لغير الله تعالى ومثال ما خالف السنة أي المشهورة القضاء بشاهد ويمين فإنه مخالف للحديث المشهور: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» ومثال القضاء المخالف للإجماع القضاء ببيع أمهات الأولاد والمراد من الإجماع ما ليس فيه خلاف يستند إلى دليل شرعي ومن الغريب ما في الخلاصة، وأما القضاء بحل متروك التسمية عامدا فجائز عندهما وعند أبي يوسف لا يجوز. ا هـ. وهو يدل على أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد عندهما؛ لأنه يفيد الحل كما فهمه ابن الهمام؛ لأنه لا خلاف عندنا في عدم الحل أنه من قبيل ما لا يسوغ فيه الاجتهاد عندنا لنقل الفقهاء والأصوليين بحيث شددوا النكير على الشافعي في القول بحله حتى قال الأصوليون إنه جهل لا يصلح عذرا لمخالفته الدليل القطعي وقد ألفت فيها رسالة مشتملة على بيان الدلائل من الجانبين. وفي الهداية المعتبر الاختلاف في الصدر الأول وهم الصحابة والتابعون وعليه فرع الخصاف أن للقاضي أن ينقض القضاء ببيع أم الولد لمخالفته لإجماع التابعين وقد حكي فيه الخلاف عندنا فقيل هذا قول محمد أما على قولهما فيجوز قضاؤه وهو مبني على أن الإجماع المتأخر هل يرفع الخلاف المتقدم فعندهما لا يرفع وعنده يرفع وفي التقويم لأبي زيد أن محمدا روى عنهم أن القضاء ببيع أم الولد لا يجوز وتفرع على كون الخلاف في الصدر الأول شرطا لكون المحل اجتهاديا ما قال بعضهم إن للقاضي أن يبطل ما قضى به المالكي والشافعي برأيه وفي الأقضية وأصحابنا لم يعتبروا خلاف مالك والشافعي وفي فتح القدير وعندي أن هذا لا يعول عليه فإن صح أن مالكا والشافعي وأبا حنيفة مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة. ولقد نرى في أثناء المسائل جعل المسألة اجتهادية بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد القولين فكيف لا يكون كذلك إذا لم يعرف الخلاف إلا بين هؤلاء الأئمة يؤيده ما في الذخيرة عن الحلواني أن الأب إذا خالع الصغيرة على صداقها ورآه خيرا لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن على قول مالك يصح ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ الزوج عنه فإذا قضى به قاض نفذ وفي حيض منهاج الشريعة عن مالك فيمن طلقها فمضى عليها ستة أشهر لم ترد ما فإنها تعتد بعده بثلاثة أشهر فإذا قضى بذلك قاض ينبغي أن ينفذ؛ لأنه مجتهد فيه إلا أنه نقل مثله عن ابن عمر قال وهذه المسألة يجب حفظها فإنها كثيرة الوقوع ا هـ. ويؤيده أيضا في الخلاصة لو قضى في المأذون في نوع أنه لا يكون مأذونا في الأنواع كلها نفذ ا هـ. وهو مذهب الشافعي. والحاصل أن كلامهم قد اضطرب في هذا الباب فتارة اعتبروا خلافهما وأخرى لم يعتبروه ويمكن أن يقال إنهم إنما قالوا بالنفاذ في هذه المسائل لأجل خلاف سابق على مالك والشافعي لا بخلافهما خاصة ثم اعلم أن صاحب الهداية نقل أولا عبارة القدوري وهي وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة والإجماع أو يكون قولا لا دليل عليه وثانيا ما في الجامع الصغير قال وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه ا هـ. فقال الشارحون إنما ذكر عبارة الجامع بعد القدوري لفائدتين ليستا في القدوري إحداهما تقييده بالفقهاء فأفاد أنه لو لم يكن عالما بالخلاف لا ينفذ والثانية التقييد بكون القاضي يرى غير ذلك فإن القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يكون مراده أنه إذا كان رأيه في ذلك موافقا الحكم الأول أمضاه وإن كان مخالفا له لا يمضيه فأبانت رواية الجامع أن الإمضاء عام فيما سوى المستثنيات سواء كان ذلك موافقا لرأيه أو لا وتعقبهم في فتح القدير بأنه لا دلالة في عبارة الجامع على كونه عالما بالخلاف وإنما مفاده أن ما اختلف فيه الفقهاء في نفس الأمر فقضى القاضي بذلك الذي اختلف فيه عالما بأنه مختلف فيه أو لا فإنه أعم من كونه عالما ثم جاء قاض آخر يرى خلاف ذلك الذي حكم به هذا أمضاه فربما يفيد أن الثاني عالم بالخلاف وليس الكلام فيه فإن هذا هو المنفذ والكلام في القاضي الأول الذي ينفذ هذا حكمه وليس فيه دليل على أنه كان عالما بالخلاف بطريق من طرق الدلالة نعم في الجامع الصغير التنصيص على أنه ينفذه وإن كان خلاف رأيه وكلام القدوري يفيده أيضا فإنه قال إذا رفع إليه حكم حاكم وهو أعم ينتظم ما إذا كان مخالفا لرأيه أو موافقا. ا هـ. وأقول: لم يفهموا مراد صاحب الهداية إنما ذكر عبارة الجامع بعد القدوري ليفيد أن ما في الجامع لا استثناء فيه بل كل مسألة اختلفت فيها الفقهاء فإنها تصير محل اجتهاد فإن قضى قاض بقول ارتفع الخلاف، وأما عبارة القدوري فاستثناء كما علمت وإذا علمت ذلك فما ذكره أصحاب الفتاوى من المسائل التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي لمخالفة كتاب أو سنة مشهورة أو إجماع إنما هو على عبارة القدوري، وأما على ما في الجامع فلا وعلمت من هنا أن من قال لا اعتبار بخلاف مالك والشافعي اعتمد قول القدوري ومن قال باعتبار خلافهما اعتمد ما في الجامع وهذا لم أسبق إليه وإنما رأيت في الواقعات الحسامية ما يفيده قال قال الفقيه أبو الليث رواية محمد أن كل شيء اختلف فيه الفقهاء فقضى القاضي بذلك جاز قضاؤه ولم يكن لقاض آخر أن يبطله ولم يذكر فيه الاختلاف وبه نأخذ. قلت: هذا خلاف ما ذكره في شرح أدب القاضي المنسوب إلى الخصاف أن القضاء في موضع الاختلاف يجوز وفي موضع الخلاف لا يجوز أراد بالأول ما كان فيه خلاف معتبر كالخلاف بين السلف وأراد بموضع الخلاف ما لم يكن معتبرا ولم يعتبر بخلاف الشافعي قال أستاذنا الفتوى على تفاصيل أدب القاضي ا هـ. فهذه العبارة أزالت اللبس وأوضحت كل تخمين وحدس. والحاصل أن الفتوى على عبارة القدوري وتفاصيل الخصاف فلهذا السر أورد صاحب الهداية ما في الجامع بعد القدوري فالآن نذكر المواضع التي نص أهل المذهب على مسائل لا ينفذ القضاء فيها أخذا من كلام الخصاف وقد ذكرناها في الفوائد الفقهية ولا بأس بسردها تكميلا للفائدة هنا قضى ببطلان الدعوى بمضي سنين أو فرق بين الزوجين لعجزه عن النفقة حال غيبته أو حكم بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه أو بصحة نكاح أم مزنيته أو بنتها أو بصحة نكاح المتعة أو بسقوط المهر بلا بينة أو إقرار أخذا بقول البعض إن قدم النكاح يوجب سقوط المهر أو بعدم تأجيل العنين أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أو بعدم وقوع الثلاث على الحامل أو بعدم وقوع الثلاث على غير المدخولة أو بعدم وقوع الطلاق في طهر جامعها فيه أو بنصف الجهاز لمن طلق امرأته قبل الدخول بها بعد قبض المهر والتجهيز أو بالشهادة على خط أبيه أو بشاهد ويمين أو في الحدود والقصاص بشهادة رجل أو امرأتين أو بما في ديوانه وقد نسي وبشهادة شاهد على صك لم يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه أو بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ عليه وبقضاء المرأة في حد وقود وبقضاء عبد أو صبي أو نصراني أو في قسامة بقتل. أو فرق بين الزوجين بشهادة واحدة على الرضاع أو قضى لولده بشهادة الأجانب أو حكم بالحجر على مفسد مستحق له أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن حرره أحد الشريكين معسرا وبجواز بيع متروك التسمية عامدا أو بجواز بيع أم الولد أو ببطلان عفو المرأة عن القود بناء على قول البعض إنه لا حق لهن فيه أو بصحة ضمان الخلاص وألزمه تسليم الدار عند الاستحقاق أو بالزيادة في معلوم الإمام من أوقاف المسجد أو بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد المحلل بلا دخول عملا بقول سعيد أو بعدم تملك الكفار مال المسلم المحرز بدراهم أو بجواز بيع درهم بدرهمين أخذا من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو بصحة صلاة المحدث أو بالقسامة على أهل المحلة بتلف المال قياسا على النفس أو بحد القذف بحكم التعريض أو بقرعة في رقيق أعتق الميت منهم واحدا أو بعدم جواز تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها وهذه المسائل منقولة من البزازية وجامع الفصولين والخانية والقنية والصيرفية وفي الأشباه والنظائر للأسيوطي معزيا إلى فتاوى السبكي أن قضاء القاضي ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه قال وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا. ا هـ. وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح المجمع للمصنف وهذا كله إذا كان الاختلاف في المقضي به أما إذا كان في نفس القضاء ففيه روايتان في رواية لا ينفذ ذكره الخصاف وهو الصحيح؛ لأن محل الخلاف لا يوجد قبل القضاء فإذا قضى فحينئذ يوجد محل الاختلاف والاجتهاد فلا بد من قضاء آخر يرجح أحدهما وذلك مثل القضاء على الغائب وللغائب وقضاء المحدود في القذف وشهادته بعد التوبة كذا ذكر الشارح وفي فتح القدير من باب المفقود إذا رأى القاضي المصلحة في القضاء على الغائب أو له فحكم فإنه لا ينفذ؛ لأنه مجتهد فيه فإن قيل ينبغي أن لا ينفذ حتى يمضيه قاض آخر لأن نفس القضاء مجتهد فيه كما لو كان القاضي محدودا في قذف فإن نفاذ قضائه موقوف على أن يمضيه قاض آخر أجيب بمنع أنه من ذلك بل المجتهد سببه وهو هذه البينة هل تكون حجة للقضاء من غير خصم حاضر أم لا فإذا قضى بها نفذ كما لو قضى بشهادة المحدود في قذف وفي الخلاصة الفتوى على هذا. ا هـ. فقد اختلف الترجيح وفي فتح القدير في شرح قوله ولا يقضي على غائب والذي يقتضيه النظر أن نفاذ القضاء على الغائب موقوف على تنفيذ قاض آخر؛ لأن نفس القضاء مجتهد فيه. ا هـ. وسيأتي إيضاحه قريبا وفي الإصلاح ويمضي حكم قاض قال في الإيضاح لم يقل حاكم احترازا عن الحكم؛ لأن الحكم فيه غير هذا ولم يقيده بقوله آخر ليعم حكم نفسه قبل ذلك ا هـ. (قوله: وينفذ القضاء بشهادة الزور في العقود والفسوخ ظاهرا وباطنا لا في الأملاك المرسلة) أي المطلقة وهي التي لم يذكر لها سبب معين وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا ينفذ إلا ظاهرا؛ لأن شهادة الزور حجة ظاهرا فصار كما لو كان غير أهل لها وله قول علي رضي الله عنه لتلك المرأة شاهداك زوجاك ولأن القضاء لقطع المنازعة بينهما من كل وجه فلو لم ينفذ باطنا كان تمهيدا لها وفي فتح القدير، وأما الاستشهاد بتفريق المتلاعنين فليس بشيء ا هـ. يعني: باعتبار أن الكذب ليس هو في الإخبار بالفرقة وإنما هو في الرمي بالزنا أو نفي الولد وقال الفقيه أبو الليث الفتوى على قولهما وفي فتح القدير من النكاح وقول أبي حنيفة هو الوجه ومن فروع المسألة ادعى على امرأة نكاحا وهي جاحدة وأقام بينة زور فقضى بالنكاح بينهما حل للمدعي وطؤها ولها التمكين عنده. وكذا إذا ادعت نكاحا على رجل وهو يجحد ومنها قضى ببيع أمة بشهادة زور حل للمنكر وطؤها وكذا في الفسوخ بالبيع والإقالة ومنها ادعت أنه طلقها ثلاثا وهو ينكر وأقامت بينة زور فقضى بالفرقة فتزوجت بآخر بعد العدة حل له وطؤها عند الله تعالى وإن علم بحقيقة الحال وحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها ويطأها ولا يحل للأول وطؤها ولا يحل لها تمكينه ومن صور التحريم صبي وصبية سبيا فكبرا وأعتقا ثم تزوج أحدهما بالآخر فجاء حربي مسلما وأقام بينة أنهما ولداه قضى القاضي بينهما بالفرقة فإن رجع الشهود أو تبين أنهم شهود زور لا يحل للزوج وطؤها عنده؛ لأن القضاء بالحرمة نفذ باطنا وظاهرا ومحمد في هذا الفرع مع أبي حنيفة؛ لأنه لا يعلم حقيقة كذب الشهود. كذا في فتح القدير وفي الولوالجية وأثم الشاهدان إثما عظيما وللنفاذ باطنا عنده شرطان الأول عدم علم القاضي بكذبهم فلو علم القاضي كذب الشهود لم ينفذ ذكره في فتح القدير من النكاح الثاني كون المحل قابلا فإذا كانت المرأة تحت زوج أو كانت معتدة أو مرتدة أو محرمة بمصاهرة أو برضاع لم ينفذ لأنه لا يقبل الإنشاء وإنما لا يشترط حضور الشهود للنكاح على قول بعض المشايخ وفي شرح الجامع لقاضي خان ولم يشترط محمد حضور الشهود وذكر الزعفراني أنه شرط وبه أخذ عامة المشايخ. ا هـ. فالمعتمد الاشتراط وإذا قلنا بعدمه وهو أوجه كما في فتح القدير من النكاح فوجهه أنا نجعل حكم الحاكم إنشاء مقتض في ضمن صحة القضاء والثابت اقتضاء لا تراعى فيه شرائطه وكذا لا يشترط قبض رأس المال وبدل الصرف قبل الافتراق كما في القنية قيد بشهادة الزور؛ لأن القاضي لو قضى بشهادتهم فظهر أنهم عبيد أو كفار أو محدودون في قذف لم ينفذ إجماعا؛ لأنها ليست بحجة أصلا بخلاف الفساق على ما عرف ولإمكان الوقوف عليهم فلم تكن شهادتهم حجة. وقيد بالشهادة؛ لأن القضاء باليمين الكاذبة لا ينفذ قالوا لو ادعت أن زوجها أبانها بثلاث فأنكر فحلفه القاضي فحلف والمرأة تعلم أن الأمر كما قالت لا يسعها الإقامة معه ولا أن تأخذ من ميراثه شيئا وهذا لا يشكل إذا كان ثلاثا لبطلان المحلية للإنشاء قبل زوج آخر وفيما دون الثلاث مشكل؛ لأنه يقبل الإنشاء وأجيب بأنه إنما يثبت إذا قضى القاضي بالنكاح وهنا لم يقض به لاعترافهما به وإنما ادعت الفرقة كذا ذكر الشارح وفي الخلاصة ولا يحل وطؤها إجماعا وفي البزازية قبيل الإيمان سمعت بطلاق زوجها إياها ثلاثا ولا تقدر على منعه إلا بقتله إن علمت أنه يقربها تقتله بالدواء ولا تقتل نفسها وذكر الأوزجندي أنها ترفع الأمر إلى القاضي فإن لم يكن لها بينة تحلفه فإن حلف فالإثم عليه وإن قتلته فلا شيء عليها والبائن كالثلاث. ا هـ. وأطلق في العقود فشمل عقود التبرعات قالوا وفي الهبة والصدقة روايتان وكذا في البيع بأقل من قيمته في رواية لا ينفذ باطنا؛ لأن القاضي لا يملك إنشاء التبرعات في ملك الغير والبيع بالأقل تبرع من وجه وإطلاق الكتاب يقتضي أن المعتمد النفاذ فيها باطنا أيضا؛ لأن النفاذ في ضمن صحة القضاء فلا يشترط فيه شرائطه ولا يختص بمحل والبيع بالأقل يملكه من لا يملك التبرع كالمكاتب والعبد المأذون وفي إيضاح الإصلاح أراد بالفسخ إبطال العقود بأي وجه كان فيعم الطلاق ا هـ. وليس بصحيح؛ لأن الطلاق لا يبطل النكاح وإنما يرفع القيد الثابت بالنكاح فالأولى أن يقال أراد بالفسخ ما يرفع حكم العقد فيشمل الطلاق كما لا يخفى وفي القنية ادعى عليه جارية أنه اشتراها بكذا فأنكر فحلف فنكل فقضى عليه بالنكول تحل الجارية للمدعي ديانة وقضاء كما في شهادة الزور ا هـ. فعلى هذا القضاء بالنكول كالقضاء بشهادة الزور وظاهر اقتصاره على نفي الأملاك المرسلة أنه لا ينفذ باطنا في النسب وقدمنا أنه ينفذ فيه وصرح به الولوالجي فقال إذا شهدوا زورا أنه أقر أن أمته بنت له فجعلها القاضي بنتا له تثبت جميع أحكام البنتية عند أبي حنيفة وأبي يوسف في قوله الأول ولا يحل له أن يطأها وترث منه وهذا بناء على أن القضاء بالنسب بشهادة الزور هل ينفذ باطنا فهو على الاختلاف ا هـ. وفي المحيط ومن مشايخنا من قال القضاء بالنسب بشهادة الزور لا ينفذ باطنا بالإجماع ونص الخصاف على أنه ينفذ عند أبي حنيفة ففي النسب والهبة عن أبي حنيفة روايتان وكان هذا حيلة لمن لا وارث له أن يثبت النسب من نفسه بأن يدعي شخصا مجهول النسب أنه ابنه أو ابنته ويقيم على ذلك شاهدي زور فيقضي القاضي بالنسب له ا هـ. ما في المحيط وفيه والشهادة بعتق الأمة كالشهادة بطلاق المرأة ا هـ. قلت: وينبغي أن يكون الشهادة بالوقف كالعتق ولم أر نقلا في الشهادة بأن الوقف ملك أو بتزوير شرائط الوقف أو بأن الواقف أخرج فلانا وأدخل فلانا زورا إذا اتصل به القضاء وظاهر ما في الهداية أن ما عدا الأملاك المرسلة فإنه ينفذ باطنا حيث قال وكل شيء قضى به القاضي إلى آخره بناء على أن التحريم يشمل القصدي والضمني خصوصا إذا قلنا بأن الوقف من قبيل الإسقاط فهو كالطلاق والعتاق فعلى هذا فاللقب ليس بعام لخروج النسب عن العقود والفسوخ مع أن في دخول الطلاق والعتاق تحت الفسخ إشكالا؛ لأن الطلاق مقابل الفسخ؛ لأن الفسخ لا ينقص العدد والطلاق ينقصه وقدمنا ما في الإيضاح وقولهم إن المسألة ملقبة بالقضاء بالعقود والفسوخ يقتضي أن لا ينظر فيه إلى المعنى لكونه علما فيه ولو حذف الأملاك لكان أولى ليشمل ما إذا شهدوا بزور بدين لم يبينوا سببه فإنه لا ينفذ وإذا لم ينفذ باطنا في الأملاك المرسلة لم يحل للمقضي له الوطء والأكل واللبس وحل للمقضي عليه لكن يفعل ذلك سرا؛ لأنه لو فعله جهرا فسقه الناس أو عزروه كذا في الولوالجية. واعلم أن الإرث حكمه حكم الأملاك المطلقة فلا ينفذ القضاء بالشهود زورا فيه باطنا اتفاقا وإن كان ملكا بسبب وسيأتي الاختلاف في باب اختلاف الشاهدين في أن الإرث مطلق أو بسبب والمشهور أنه مطلق واختار في الكنز أنه بسبب ولذا قال في البدائع في الجواب عن حديث البخاري مرفوعا: «إنما أنا بشر فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار» أنه قاله عليه الصلاة والسلام في مواريث درست والميراث ومطلق الملك سواء في الدعوى وبه نقول. ا هـ. ثم اعلم أنهما لما قالا بعدم النفاذ باطنا اختلفا فقال محمد لا يحل للزوج الأول وقال أبو يوسف يحل للزوج الأول وطؤها في الظاهر، وأما في الباطن فلا يحل لأن قول أبي حنيفة بوقوع الفرقة باطنا صار شبهة له فيحرم الوطء احتياطا وصار كما إذا تزوج امرأة ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بعد ذلك كره محمد له أن يطأها قبل المحلل بقول أبي حنيفة كذا في الولوالجية وفيها ولو تزوجها الثاني ودخل بها وفارقها وانقضت عدتها فلا بأس أن يتزوجها الأول أما عندهما فلأن نكاح الأول قائم لكنهما يجددان النكاح حتى لا يتهما، وأما عند أبي حنيفة فإن الفرقة بالثلاث واقعة فيكون الزوج الثاني مثبتا للحل هذا إذا فارقها الزوج الثاني بطلاق باختياره فأما إذا شهدا عليه زورا بالثلاث وقضى القاضي بالفرقة حل لها أن تتزوج من شاءت من الزوج الأول والشاهدين عند أبي حنيفة وأبي يوسف الأول وعند أبي يوسف الآخر وهو قول محمد لا يحل؛ لأنها كانت منكوحة الأول فلا تتزوج إلا من الأول. ا هـ. وأشار المصنف إلى أن قضاء القاضي يحل ما كان حراما في معتقد المقضى له ولذا قال في الولوالجية ولو قال لها أنت طالق ألبتة فخاصمها إلى قاض يراها رجعية بعد الدخول فقضى بكونها رجعية والزوج يرى أنها بائنة أو ثلاثا فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد فيحل له المقام معها وقيل إنه قول أبي حنيفة وعلى قول أبي يوسف لا يسعه المقام معها وإن ترافعا إلى قاض آخر بعد القضاء الأول فإنه لا ينقضه وإن كان على خلاف رأيه وهذا إذا قضى له فإن قضى عليه بالبينونة أو الثلاث والزوج لا يراه يتبع رأي القاضي إجماعا. وهذا كله إذا كان الزوج عالما له رأي واجتهاد فإن كان عاميا اتبع رأي القاضي سواء قضى له أو عليه وهذا إذا قضى له أما إن أفتى له فهو على الاختلاف السابق؛ لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده كذا في الولوالجية وفي آخر النتف اعلم أن القضاء لا يهدم القضاء والرأي لا يهدم الرأي والقضاء يهدم الرأي والرأي لا يهدم القضاء مثال الأول ظاهر وأما مثال الثاني فإن يعتقد الثلاث في قوله أنت طالق ألبتة فإنها تحرم عليه فإن تحول رأيه إلى أنها رجعية لم تحل ومثال الثالث أن يحكم القاضي بكونها رجعية فإن هذا القضاء يهدم رأيه من أنها ثلاث ومثال الرابع إذا قضى قاض ثم تحول رأيه فإنه لا ينقض ما مضى؛ لأن الرأي لا يهدم القضاء وإنما يعمل برأيه في المستقبل ا هـ. مختصرا. (قوله: ولا يقضى على غائب) أي لا يصح القضاء على خصم غير حاضر لقوله عليه الصلاة والسلام لعلي: «لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر فإنك إذا سمعت كلام الآخر علمت كيف تقضي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولأن القضاء لقطع المنازعة ولا منازعة هنا لعدم الإنكار فلا يصح كذا ذكره الشارح وصرح في فتح القدير بأن حضرة الخصم ليتحقق إنكاره شرط لصحة الحكم وفي البزازية من القضاء قضى للغائب أو عليه لا يصح إلا أن يكون عنه خصم حاضر ا هـ. فلذا فسرنا كلام المصنف بعدم الصحة لا بعدم الحل والأولى أن يفسر بعدم النفاذ لقولهم إذا نفذه قاض آخر يراه فإنه ينفذ وقدمنا خلاف التصحيح في نفذ القضاء على الغائب فصحح الشارح عدمه وفي الخلاصة والبزازية الفتوى على النفاذ ورجح الأول في فتح القدير وأنه لا بد من إمضاء قاض آخر؛ لأن الاختلاف في نفس القضاء وفي البزازية من القضاء قال الإمام ظهير الدين في نفاذ القضاء على الغائب روايتان ونحن نفتي بعدم النفاذ كي لا يتطرقوا إلى إبطال مذهب أصحابنا ا هـ. والقائل بأن الفتوى على النفاذ خواهر زاده وفي منية المفتي القضاء على الغائب بلا خصم فيه روايتان ويفتى بعدم النفاذ وقيل إن رآه قاض فقضى به ينفذ. ا هـ. لكن اشتبه على كثير أن قولهم الفتوى على النفاذ أعم من كون القاضي شافعيا يراه أو حنفيا لا يراه وهو إنما هو فيمن يراه والظاهر أنه في حق من يراه لإجماع الحنفية على أنه لا يقضى على غائب كما ذكره الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء ولو كان أعم للزم هدم مذهب أصحابنا والعجب من البزازي حيث قال في الفتاوى من المفقود وهل ينصب القاضي وكيلا على الغائب وعن الغائب عندنا لا يفعل أما لو فعل بأن حكم على الغائب نفذ إجماعا؛ لأن المجتهد سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون حجة بلا خصم حاضر للقضاء أم لا فإذا رآها حجة وحكم نفذ كما لو حكم بشهادة الفساق وعليه الفتوى ا هـ. فإن دعوى الإجماع ليست بصحيحة وهو مسبوق بها عن خواهر زاده وفي قوله فإذا رآها حجة إشارة إلى أنه ممن يرى القضاء على الغائب فخرج الحنفي المقلد ولقد صدق العلامة محمود حيث قال في جامع الفصولين قد اضطرب آراؤهم وبيانهم في مسائل الحكم للغائب وعليه ولم يصف ولم ينقل عنهم أصل قوي ظاهر يبنى عليه الفروع بلا اضطراب ولا إشكال فالظاهر عندي أن يتأمل في الوقائع ويحتاط ويلاحظ الحرج والضرورات فيفتى بحسبها جوازا أو فسادا. ا هـ. والذي ظهر لي من كلامهم أن المذهب عن أصحابنا عدم صحة القضاء على الغائب وأن القاضي الذي يراه إن قضى عليه فإنه يتوقف على الإمضاء؛ لأن الاختلاف في نفس القضاء وما عدا هذا من الأقوال من تصرفات بعض المشايخ ثم ظهر لي بحمد الله ما يجب المصير إليه وهو أنهم قالوا بأن الفتوى على النفاذ فيما إذا قضى على مفقود لا في مطلق الغائب ويدل على الفرق بين المفقود وغيره ما في فتاوى قاضي خان من باب فصل القضاء في المجتهدات رجل قدم رجلا إلى قاض وقال إن لأبي على هذا الرجل ألف درهم وأبي غائب وإني أخاف أن يتوارى هذا الرجل فجعله القاضي وكيلا لأبيه وقبل بينة الابن على المال وحكم بذلك ثم رفع ذلك إلى قاض آخر فإن الثاني لا يجيز قضاء الأول؛ لأن بينة الابن ما قامت بحق على الغائب حتى يكون القضاء على الغائب وإنما قامت لغائب وهذا بخلاف المفقود إذا أقام القاضي ابنه وكيلا في طلب حقوقه؛ لأن المفقود بمنزلة الميت فكان للقاضي التصرف في ماله. ا هـ. أطلق في عدم القضاء عليه وهو مقيد بما إذا ثبت الحق ببينة سواء كان غائبا وقت الشهادة أو غاب بعدها قبل التزكية وسواء كان غائبا عن المجلس حاضرا في البلد أو غائبا عن البلد، وأما إذا أقر عند القاضي فغاب قبل أن يقضي عليه قضى عليه وهو غائب لأن له أن يطعن في البينة دون الإقرار ولأن القضاء بالإقرار قضاء إعانة وإذا نفذ القاضي إقراره سلم إلى المدعي حقه عينا كان أو دينا أو عقارا إلا أن في الدين يسلم إليه جنس حقه إذا وجد في يد من يكون مقرا بأنه مال الغائب المقر ولا يبيع في ذلك العروض والعقار؛ لأن البيع قضاء على الغائب فلا يجوز كذا في شرح الزيادات للعتابي والإخبار بالقضاء منه كالإنشاء لا بد له من الحضرة قال في شهادات القنية أشهد القاضي شهودا إني حكمت لفلان على فلان بكذا فهو إشهاد باطل والحضور شرط وقال قبله خرج الحاكم عن المحكمة ثم أشهد على حكمه يصح إشهاده ا هـ. وفي تهذيب القلانسي إذا قال القاضي حكمت على فلان بكذا وهو غائب لم يصدق ا هـ. وقلنا على غير خصم حاضر لإخراج ما لو قضى على حاضر ليس بخصم وعلى خصم غائب فالخصم من تسمع الدعوى عليه بانفراده شرعا فخرج ما لو قضى على راهن في غيبة مرتهن وعكسه وكذا في المؤجر مع المستأجر والمعير مع المستعير والموصى له ليس بخصم إلا في إثبات الوصاية أو الوكالة وغريم الميت ليس بخصم لمدعي الدين على الميت إنما الخصم وارث أو وصي وأحد الورثة خصم عن الباقي فيما للميت وما عليه والخصم في دعوى السعاية المأمور لا الآمر إن كان الآمر سلطانا وإلا فالآمر والمستأجر ليس بخصم لمدعي إجارة أو رهن أو شراء كالمستعير والمشتري خصم للكل وكذا الموهوب له والخصم في دعوى المبيع قبل القبض العاقدان وفي المبيع الفاسد قبل القبض البائع وحده وبعده المشتري وحده وسيأتي تمامه في كتاب الدعوى. (قوله: إلا أن يحضر من يقوم مقامه كالوكيل والوصي) ذكر المثالين ليبين أن القائم مقامه قد يكون بإنابته أو بإنابة الشرع فالوصي إن كان من قبل الميت فهو بإنابته وإن كان منصوب القاضي فهو بإنابة الشرع وظاهر الاستثناء أن الوكيل أو الوصي إذا حضر فإن القاضي إنما يحكم على الغائب وعلى الميت ولا يحكم على الوكيل والوصي ويكتب في السجل أنه حكم على الميت وعلى الغائب بحضرة وكيله وبحضرة وصيه كذا في جامع الفصولين وفي البزازية من اليمين ادعى أنه وكيل الغائب بقبض الدين أو العين إن برهن على الوكالة والمال قبلت وإن أقر بالوكالة وأنكر المال لا يصير خصما ولا تقبل البينة على المال؛ لأنه لم يثبت كونه خصما بإقرار المطلوب؛ لأنه ليس بحجة في حق الطالب وإن أقر بالمال وأنكر الوكالة لا يستحلف على الوكالة؛ لأن التحليف يترتب على دعوى صحيحة ولم توجد لعدم ثبوت الوكالة. وذكر الخصاف أنه يحلف على الوكالة والأول أصح ولو أنكر الكل فهو كإنكار الوكالة وحدها ولو أقام البينة على المال والوكالة تقبل عند الإمام؛ لأن الوكيل بقبض الدين خصم وفصل الوصاية في المال كفصل الوكالة إلا في فصل وهو أنه إذا ادعى أن فلانا الميت أوصى إليه بحفظ ماله وقبضه وله كذا عند هذا الحاضر فأقر الحاضر بالكل يؤمر بتسليم الدين والعين بخلاف الوكالة وإن أقر بالوصاية والموت وأنكر المال يحلف وإن أقر بالمال والموت وأنكر الوصاية ينصب القاضي وصيا ولا يحلفه لما ذكرنا أن دعوى الوصاية ليست بلازمة وإن أقر بالوصاية والمال وأنكر الموت يحلفه على علمه كما في الوارث وإن أقام بينة على كل ذلك تقبل في الكل. ا هـ. وفيها من التاسع في نصب الوصي الخصم في إثبات الوصاية الوارث البالغ أو مديون الميت أو الموصى له واختلفوا في ابن الميت فهو خصم على ما ذكره الخصاف وخالفه بعض المشايخ ولا تثبت بإقرار مديون الميت أو مودعه وإذا ثبتت الوصاية بالبينة لمدعي الدين ثم حضر غريم آخر أو موصى له آخر لا يقضى للثاني ببينة الأول وعند الثاني يقضى وفي الوصية بأنواع البر يكتفي بتلك البينة بالإجماع ا هـ. وأطلق في الوكيل فشمل ما إذا كان وكيلا في الخصومة والدعوى وما إذا كان وكيلا للقضاء كما إذا أقيمت البينة عليه فوكل ليقضي عليه ثم غاب كما في القنية وفيها من باب القضاء على الغائب استمهل المدعى عليه بعد البينة العادلة القاضي مدة معينة وغاب ومضت تلك المدة فإن ظهر تعنته فله القضاء حال غيبته ومثله عن الخجندي قال رضي الله عنه واشتراطهما التغيب للقضاء عليه اختيار حسن قامت البينة على الوكيل فغاب فحضر موكله أو على العكس أو قامت البينة على المورث فمات وحضر وارثه أو قامت على وارث فغاب وحضر وارث آخر ففي هذه الصورة يقضي على الذي حضر بتلك البينة ا هـ. وفيها من كتاب الوكالة لا تقبل من الوكيل بالخصومة بينة على وكالته من غير خصم حاضر ولو قضى عليه صح؛ لأنه قضاء في المختلف ا هـ. وفي جامع الفصولين من الخامس أراد وكيل البيع إثبات وكالته بحيث لو أنكر موكله لا يسمع إنكاره فله وجهان أحدهما أن يسلم الوكيل العين إلى رجل ثم يدعي أنه وكيل بقبضه وبيعه فسلمه إلي فيقول ذو اليد لا أعلم وكالته فيبرهن فيأمر القاضي بتسليمه إليه فيبيعه والثاني أن يقول هذا لفلان فأبيعه منك فإذا باعه وقبض ثمنه يقول المشتري لا أقبض المبيع لأني أخاف أن ينكر المالك وكالتك وربما يهلك المبيع في يدي أو ينقص فيضمنني فيبرهن الوكيل أنه وكيله بذلك ويجبره على القبض ويثبت بالبينة ولاية الجبر على القبض وهنا وجه آخر وهو أن يبيع فيقول إني فضولي فلا أسلم المبيع فيبرهن المشتري أنه وكيل فلان بالبيع فهو خصم فيثبت أنه وكيل بالبيع ا هـ وفيه أيضا وكلهما بقبض دينه فغاب الموكل وأحد الوكيلين فادعى الوكيل الآخر فأقر الغريم بدينه وجحد وكالته فبرهن الوكيل أن الدائن وكله وفلانا الغائب بقبض دينه يحكم بوكالتهما حتى لو حضر الغائب لا يكلف إعادة البينة وكذا لو جحد الغريم الدين والتوكيل فبرهن عليهما الحاضر يحكم بالدين وبوكالتهما ا هـ. وأطلق في الوكيل أيضا فشمل ما إذا نصبه القاضي عن الغائب وهو المسمى بالمسخر وفيه اختلاف قال في جامع الفصولين ادعى على غائب دينا بحضرة رجل يدعي أنه وكيل الغائب في الخصومة فأقر المدعى عليه بالوكالة لم يصح إقراره حتى لو برهن على الغائب لم يقبل وكذا لو ادعى دينا على ميت بحضرة رجل يدعي أنه وصي الميت وأقر المدعى عليه بالوصاية كذا في آخر فصل الدعاوى ثم رقم لآخر القاضي لو علم أن المحضر ليس بخصم لا تسمع الخصومة والحكم على المسخر لم يجز وتفسير المسخر أن ينصب القاضي وكيلا عن الغائب ليسمع الخصومة عليه وإنما يجوز نصب الوكيل عمن اختفى في بيته بعدما نادى أمين القاضي على باب داره أياما ثم رقم لآخر الحكم على المسخر لا يجوز وقيل ينبغي أن تكون هذه المسألة على الروايتين إذ حاصله الحكم على الغائب وفيه روايتان عن أصحابنا وكان ظهير الدين يفتي بأن الحكم على الغائب لا ينفذ كي لا يتطرقوا إلى هدم مذهب أصحابنا. ا هـ. ثم اعلم أن نصب المسخر عند القائل به شرطه أن يكون الغائب في ولاية القاضي لما في الخزانة القاضي إذا جعل نائبا عن الغائب حتى يسمع عليه الخصومة ويسمى هذا المسخر فإذا كان الغائب ليس في ولاية هذا القاضي لا تصح هذه الإنابة وليس لهذا طريق عند علمائنا ا هـ. والمعتمد أن القضاء على المسخر لا يجوز والمجوز له خواهر زاده؛ لأنه أفتى بنفاذ القضاء على الغائب وهو عين القضاء على الغائب إلا لضرورة وهي في مسائل: الأولى علق المديون العتق أو الطلاق على عدم قضائه اليوم ثم تغيب الطالب وخاف الحالف الحنث فإن القاضي ينصب وكيلا عن الغائب ويدفع الدين إليه ولا يحنث الحالف وعليه الفتوى كما في الخانية. الثانية المشتري بخيار أراد الرد في المدة فاختفى البائع فطلب المشتري من القاضي أن ينصب خصما عن البائع ليرده عليه قيل ينصب نظرا إلى المشتري وقيل لا؛ لأنه لما اشترى ولم يأخذ منه وكيلا مع احتمال غيبته فقد ترك النظر لنفسه فلا ينظر له وإذا لم ينصب وطلب المشتري من القاضي الأعذار فعن محمد فيه روايتان يعذر في رواية فيبعث مناديا ينادي على باب البائع أن القاضي يقول إن خصمك فلانا يريد الرد عليك فإن حضرت وإلا نقضت البيع فلا ينقضه القاضي بلا إعذار وفي رواية لا يعذر القاضي كذا في جامع الفصولين. الثالثة كفل بنفسه على أنه لو لم يواف به غدا فدينه على الكفيل فغاب الطالب في الغد فلم يجده الكفيل حتى مضى الغد لزمه المال ولو رفع الكفيل الأمر إلى القاضي فنصب القاضي وكيلا عن الطالب وسلم إليه المكفول عنه يبرأ وهو خلاف ظاهر الرواية إنما هو في بعض الروايات عن أبي يوسف كذا في جامع الفصولين. الرابعة إذا توارى الخصم فالقاضي يرسل أمينا ينادي على بابه ثلاثة أيام ثم ينصب عنه وكيلا للدعوى وهو قول أبي يوسف استحسنه وعمل به ثم قال الخصم شرط لقبول البينة لو أراد المدعي أن يأخذ من يد الخصم الغائب شيئا أما لو أراد أن يأخذ حقه من ثمن مال كان للغائب في يده لا يشترط حضور الخصم ولا يحتاج القاضي إلى نصب الوكيل لو اشتراه فغاب وقدمناه في متفرقات البيوع وإنما أدخل كاف التشبيه في قوله كالوكيل والوصي للإشارة إلى عدم الحصر فالمتولي على الوقف كذلك وأحد الورثة عن الباقين فيما للميت وعليه لكن إن كان في عين فلا بد من كونها في يده فلو ادعى عينا من التركة على وارث ليست في يده لم تسمع وفي دعوى الدين ينتصب أحدهم خصما وإن لم يكن في يده شيء وفي جامع الفصولين من الرابع. والحاصل أن أحد شريكي الدين خصم عن الآخر في الإرث وفاقا وفي غيره عند أبي يوسف لا عند أبي حنيفة وقال محمد قول أبي حنيفة قياس وقول أبي يوسف استحسان ومحمد مع أبي يوسف. ا هـ. ومن ذلك من بيده مال الميت وإن لم يكن وصيا ولا وارثا وفيه اختلاف المشايخ ومن ذلك بعض الموقوف عليهم لما في القنية من باب الدعوى والبينات في الوقف وقف بين أخوين مات أحدهما وبقي في يد الحي وأولاد الميت ثم الحي أقام بينة على واحد من أولاد الأخ أن الوقف بطن بعد بطن والباقي غيب والوقف واحد تقبل وينتصب خصما عن الباقي ثم قال وقف بين جماعة فلواحد منهم أو لوكيله أو على واحد منهم أو على وكيله تصح الدعوى إذا كان الوقف واحدا ثم رقم لا تصح الدعوى على بعضهم إذا كان المحدود في أيدي جميعهم ولا يصح القضاء إلا بقدر ما في يد الحاضرين. ا هـ. (قوله: أو يكون ما يدعي عن الغائب سببا لما يدعي على الحاضر) بالنصب عطفا على يحضر وفي الحقيقة الحاضر قائم مقام الغائب حكما أطلقه فشمل ما إذا كان المدعى عليهما شيئا واحدا وما يدعي على الغائب سبب لما يدعي على الحاضر لا محالة فحينئذ يقضي عليهما حتى لو حضر الغائب وأنكر لا يلتفت إلى إنكاره وشمل ما إذا كان المدعى شيئين مختلفين وما يدعي على الغائب سبب لما يدعي على الحاضر بكل حال لا ينفك عنه فيكون خصما ويقضي عليهما أما الأول ففي مسائل: الأولى ادعى دارا في يد رجل أنها ملكه اشتراها من فلان الغائب وأنكر ذو اليد فبرهن على الشراء من فلان الغائب المالك قضى له بها وكان قضاء على الغائب؛ لأن الشراء من المالك سبب لا محالة الثانية ادعى على آخر أنه كفل عن فلان بما يذوب له عليه فأقر بها وأنكر الحق فبرهن أنه ذاب له على فلان كذا بعد الكفالة قضى عليهما. وكذا إذا ادعى عليه أنه كفل له بجميع ماله على فلان ثم برهن على قدر معلوم كان له قبل الكفالة يقضي عليهما سواء قال إنه كفيل بأمره أو لا، وأما إذا ادعى أنه كفل له بقدر معلوم فلا بد أن تكون الكفالة بأمره والكفالة المطلقة هي الحيلة في إثبات الدين على الغائب ثم يبرئ المدعي الكفيل عنها ويبقى ماله على الغائب وكذا إذا ادعى الكفيل بالأمر الأداء وأنكر المكفول عنه الأداء والطالب غائب فبرهن عليه يقضى عليهما كما في الخانية والحوالة كالكفالة بل أولى لتضمنها براءة المحيل الثالثة ادعى شفعة فأنكر ذو اليد الشراء فبرهن المدعى على الشراء من الغائب يقضى عليهما، وأما الثاني ففي مسائل: الأولى قذف محصنا فقال القاذف أنا عبد وقال المقذوف أعتقك مولاك وبرهن عليه قضي عليهما. الثانية ادعى المشهود عليه أن الشاهد عبد لفلان فبرهن المدعي أن المالك الغائب أعتقه تقبل ويقضى عليهما وهي حيلة إثبات العتق على الغائب. الثالثة قتل عمدا وله وليان أحدهما غائب فادعى الحاضر أن الغائب عفا عن نصيبه وانقلب نصيبه مالا وبرهن يقضى عليهما وأورد عليه ما إذا كان عبد بين حاضر وغائب ادعى العبد أن الغائب أعتق حصته وصار عند الإمام مكاتبا فواجب على الحاضر قصر اليد عنه عنده لا تقبل وإن تحققت السببية وأجيب بأن عدم القبول عند الإمام لا لعدم الخصم بل لجهالة المقضي له بالكتابة؛ لأنه إذا اختار الساكت التضمين يكون مكاتبا للمعتق وإن اختار السعاية يكون مكاتبا للساكت ومن هذا النوع مسألتان في تلخيص الجامع: الأولى قال لغيره يا ابن الزانية وأمه ميتة وادعى أنها كانت أمة لفلان فأقام ابنها بينة أن فلانا أعتقها أو أقام بينة أنها فلانة بنت فلان القرشية فإنه يقضي بعتقها في الأولى وبنسبها في الثانية وإن كان المعتق والمنسوب إليه غائبين ويقضي بالحد على القاذف الثانية أقام البينة أن نسبه يلتقي مع نسب الميت إلى جد الميت وأنهم لا يعلمون له وارثا غيره فإنه يقضي له بميراثه وإن لم يحضر آباؤهم ولا وكلاؤهم وفيه قضاء على الغائب ا هـ. قيدنا بأن يكون سببا لا محالة للاحتراز عما يكون سببا في حال ولا يكون سببا في حال فإنه لا يكون قضاء على الغائب وذلك في مسألتين الأولى الوكيل بنقل العبد إلى مولاه إذا برهن العبد على أنه حرره يقبل في حق قصر يد الحاضر لا في حق ثبوت العتق على الموكل فلو حضر الغائب وأنكر لا بد من إعادة البينة الثانية الوكيل بنقل المرأة إذا برهنت أنه طلقها ثلاثا يقبل في حق قصر يد الوكيل لا في إثبات الطلاق وقد أنكر بشر المريسي القضاء على الغائب في هذه المسائل قال في التحرير وقد كان بعض العلماء يأبى انتصاب الحاضر خصما عن الغائب في هذه المسائل ولا يقضى على الحاضر بشيء ما لم يحضر الغائب وهو القياس الظاهر إلا أنا نقول بأن عامة الخصومات يتصل طرف منها بالغائب فلو لم يجعل الحاضر خصما لأدى إلى إبطال حقوق الناس كذا في شرح التلخيص للفارسي وبه اندفع ما اعترض به بعض الحنابلة من أن الحنفية منعوا القضاء على الغائب ثم تحيلوا له بما إذا كان سببا وهو عين القضاء على الغائب ا هـ. وقيد بكونه سببا لما يدعي على الحاضر للاحتراز عما إذا كانت السببية باعتبار البقاء فإنه لا يقبل مطلقا وذلك في مسائل: الأولى اشترى جارية وادعى أن البائع كان زوجها من فلان الغائب واشتراها بلا علم بذلك فأنكر البائع فبرهن لم يقبل في حق الحاضر والغائب؛ لأنه سبب في البقاء لجواز الطلاق بعده فلو تعرض الشهود للبقاء لم تقبل أيضا بأن قالوا إنها امرأته للحال؛ لأن البقاء تبع للابتداء. الثانية برهن المشتري فاسدا على البيع من غائب حين رام البائع فسخ البيع للفساد لا يقبل مطلقا وإن تعرضوا للبقاء. الثالثة في يده دار فبيعت دار بجنبها فأراد أخذها بالشفعة فزعم المشتري أن ما في يد الشفيع لغائب فبرهن الشفيع على شرائها من الغائب لا تقبل في حقهما وقيد بالسبب للاحتراز عن الشرط في الجامع الأصغر قال إن طلق فلان امرأته فأنت طالق فادعت أنه طلقها وفلان غائب وبرهن لا يصح وقيل يصح وبه أخذ شمس الأئمة الأوزجندي والأول أصح؛ لأن فيه ابتداء القضاء على الغائب بخلاف ما إذا قامت البينة أن زوجها قال لها إن دخل فلان الدار فأنت كذا وقد دخل فلان الغائب الدار وبرهنت حيث يقبل اتفاقا والذي يفعله الناس فيما إذا أرادوا إقامة البينة على الغائب أنه وكله في قبض حقوقه على الناس يدعي واحد عند القاضي أن الغائب علق تلك الوكالة ببيع هذا الحاضر داره من فلان بكذا وقد باع هذا داره من فلان وتحقق الشرط وصار هو وكيلا عن الغائب في القبض ولموكله على هذا المحضر كذا فيقول المدعى عليه نعم إنه وكله كما ذكر إلا أنه لم يوجد الشرط فيقيم الوكيل البينة على وجود الشرط فيقضي القاضي عليه بالبيع والوكالة لا تصح إلا على اختيار الإمام الأوزجندي لما فيه من إبطال حق الغائب. كذا في البزازية وفرقهم بين سبب وسبب وبين السبب والشرط على الصحيح أدل دليل على أن قولهم بنفاذ القضاء على الغائب في أظهر الروايتين إنما هو في قضاء الشافعي وأما الحنفي فلا؛ لأنه حينئذ لا معنى للفرق المذكور ومن مسائل الشرط ما في جامع الفصولين علق طلاقها بتزوجه عليها فبرهنت أنه تزوج عليها فلانة الغائبة عن المجلس هل تسمع حال غيبة فلانة فيه روايتان والأصح أنها لا تقبل في حق الحاضرة والغائبة فلا طلاق ولا نكاح ومن فروعه ادعت عليه أنه كفل بمهرها عن زوجها لو طلقها ثلاثا وأنه طلقها ثلاثا فأقر المدعى عليه بالكفالة وأنكر العلم بوقوع الثلاث فبرهنت أنه طلقها ثلاثا يحكم لها بالمهر على الحاضر لا بالفرقة على الغائب. ا هـ. وقد علمت حيلة إثبات العتق كما قدمناه وفي شرح التلخيص رجل له على عبد مأذون دين أقام البينة على رجل أنك كفلت لي عنه بكذا إن أعتقه مولاه وقد أعتقه فإنه يقضي بالعتق والمال وإن كان المولى والعبد غائبين؛ لأن الإعتاق سبب ضمان المولى قيمة العبد المديون لغريمه فكان شرطا ملائما لا تعليقا محضا فصح الالتزام به وناب الحاضر في الخصومة عن الغائب ا هـ. وهو من قبيل الشرط فليتأمل، وأما حيلة إثبات طلاق الغائب فكلها على الضعيف من أن الشرط كالسبب فمنها حيلة الكفالة بمهرها معلقة بطلاقه ومنها دعواها كفالة بنفقة العدة معلقة بالطلاق قال في جامع الفصولين ومع هذا لو حكم بالحرمة نفذ لاختلاف المشايخ ا هـ. وفي البزازية من فصل دعوى النكاح ادعى عليها أن زوجها الغائب طلقها وانقضت عدتها وتزوجها فأقرت بزوجية الغائب وأنكرت طلاقه فبرهن عليها بالطلاق يقضي عليها بأنها زوجة الحاضر ولا يحتاج إلى إعادة البينة إذا حضر الغائب ا هـ. وقدمنا حيلتين لإثبات الدين على غائب الكفالة والحوالة، وأما حيلة إثبات الرهن على الغائب قال في جامع الفصولين معزوا المرتهن لو أراد أن يحكم به القاضي يقيم رجلا يدعي رقبة الرهن فيبرهن ذو اليد أنه رهن عنده فيحكم به القاضي وفيه روايتان في رواية لا تقبل إذ فيه حكم على غائب وتقبل في رواية؛ لأنه لما رهن عنده فقد استحفظه فصار خصما في إثبات الملك للراهن ا هـ. وأما حيلة الحكم بسقوط النفقة والكسوة الماضيتين فالقضاة الآن يجعلونها بصورة إن كانت لها نفقة وكسوة علي فهي طالق بائن فيدعي عليه ذو حسبة عند حنفي بوقوعه لكونها لازمة عليه ويطالبه بالتفريق فيجيب بأنها ليست لازمة لعدم التقرير والرضا فيحلفه القاضي على ذلك فيحكم بعدم الوقوع وبعدم اللزوم ولا شك الآن في صحته لكن المرأة إذا حضرت وبرهنت على التقرير بطل الحكم كما لا يخفى وقيد بكون السبب ما يدعي على الغائب لأنه لو كان على عكسه بأن كان ما يدعي على الحاضر سببا لما يدعي على الغائب فإنه لا يقضي على الغائب كما إذا كان الحاضر هو الأصيل والكفيل غائب لجواز أن يكون المال على الأصيل لا الكفيل كما قبل الكفالة بخلاف عكسه لا يجوز أن يكون المال على الكفيل دون الأصيل وجزم في جامع الفصولين بأن القضاء على الأصيل لا يكون قضاء على الكفيل وتردد في البزازية وأورد على قولهم لا يجوز أن يكون على الكفيل دون الأصيل ما إذا قالت كفلت بمالك على زيد فأقر الكفيل بأن له على زيد كذا وأنكره زيد ولا بينة وجب المال على الكفيل دون الأصيل ثم نقل عن محمد أن القضاء على المكفول عنه قضاء على الكفيل. وعن ابن سماعة أنه لا يكون قضاء عليه ففيه روايتان والموافق لمفهوم المتون عدمه فهو المعتمد والجواب عما أورد أنه لكون الإقرار حجة قاصرة كما لا يخفى وفي الخلاصة الطريق إلى إثبات الرمضانية أن يعلق وكالة بدخوله فيتنازعان في دخوله فيشهد الشهود فيقضي بالوكالة وبدخوله ا هـ. وعلى هذا إذا أريد إثبات طلاق معلق بدخول شهر فالحيلة فيه ذلك ولو كان الزوج غائبا وليس هذا من قبيل الشرط؛ لأنه لا بد أن يكون فعل الغائب وعلى هذا إذا أريد إثبات شيء من ملك ووقف ونكاح وطلاق فيعلق وكالة بملك فلان ذلك الشيء ويدعي الوكيل فيقول الخصم وكالتك معلقة بما لم يوجد فيقول الوكيل بل هي منجزة؛ لأنها معلقة بأمر كائن ويبرهن على الملك وكذا في الوقف يعلقها بالوقفية وفي النكاح بكون فلانة زوجة فلان وفي الطلاق بكونها محرمة عليه ولا يعلقها بفعل الغائب كإن نكح إن وقف إن طلق إن ملك هذا ما ظهر لي الآن والله سبحانه وتعالى أعلم وهذا التقرير في هذا المحل كغيره من خواص هذا الشرح ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (قوله: ويقرض القاضي مال اليتيم ويكتب الصك لا الوصي والأب)؛ لأن القاضي يقدر على تحصيله من المستقرض والوصي والأب لا يقدران على ذلك فيضمنان بالإقراض لكونه تبرعا ابتداء والمراد ويستحب للقاضي الإقراض ولا يجوز للأب والوصي وإنما استحب منه؛ لأن القاضي لكثرة اشتغاله لا يمكن أن يباشر الحفظ بنفسه فلا بد له من الدفع لغيره والدفع بالقرض أنظر لليتيم لكونه مضمونا الوديعة أمانة ولا يقرض إلا من يعرفه بالأمانة والديانة ويكتب عليه ذلك ليحفظه خوف النسيان لكثرة اشتغاله وفي البناية معزيا إلى تاج الشريعة يقرض القاضي إلى الثقات والثقة المليء الحسن المعاملة وفي الأقضية إنما يملك القاضي الإقراض إذا لم تحصل غلة لليتيم أما إذا وجدت فلا يملكه هكذا روي عن محمد. ا هـ. وفي المصباح رجل مليء على فعيل غني مقتدر ويجوز الإبدال والإدغام ا هـ. وينبغي أن يشترط لجواز إقراض القاضي عدم وصي لليتيم فإن كان له وصي ولو منصوب القاضي لم يجز؛ لأنه من التصرف في ماله وهو ممنوع منه مع وجود وصيه كما في بيوع القنية وسوى المصنف بين الأب والوصي مع أن في الأب روايتين ولكن أظهرهما أنه كالوصي وهو الصحيح كما في جامع الفصولين وفي خزانة الفتاوى الصحيح أن الأب كالقاضي فقد اختلف التصحيح والمعتمد ما في المتون وأطلق في منع إقراض الأب فشمل ما إذا أخذ مال ولده الصغير قرضا لنفسه وهو مروي عن الإمام وقيل له ذلك وينبغي للقاضي أن يتفقد أحوال الذين أقرضهم مال الأيتام حتى إذا اختل أحد منهم أخذ منه المال؛ لأن القاضي وإن قدر على استخلاصه إنما يقدر من الغني لا من الفقير ولهذا لا يملك قرضه من المعسر ابتداء فكذا لا يتركه عنده انتهاء. وأشار المؤلف إلى أن للقاضي ولاية إقراض مال الوقف كما في جامع الفصولين وله إقراض اللقطة من الملتقط وإقراض مال الغائب وله بيع منقوله إذا خاف التلف إذا لم يعلم بمكان الغائب أما إذا علم فلا؛ لأنه يمكنه بعثه إلى الغائب إذا خاف التلف قالوا وله أن يأخذ المال من الأب إذا كان مسرفا مبذرا ويضعه على يد عدل كذا في القنية وفي جامع الفصولين إنما يملك القاضي إقراضه إذا لم يجد ما يشتريه له يكون غلة لليتيم لا لو وجده أو وجد من يضارب؛ لأنه أنفع وكذا إنما يقرضه من مليء ا هـ. وقيد بالإقراض؛ لأن الوصي يملك البيع نسيئة كما ذكروه في الوصايا وفي جامع الفصولين ولو أقرض الوصي لا يعد خيانة فلا يعزل به ا هـ. وأطلق في الوصي فشمل وصي القاضي كما في جامع الفصولين وأشار بالوصي إلى أن متولي الوقف ليس له إقراض مال المسجد فلو أقرضه ضمن وكذا يضمن المستقرض كذا في الخزانة وليس له إيداعه إلا ممن هو في عياله كذا في جامع الفصولين ثم قال بعده القيم لو أقرض مال المسجد ليأخذه عند الحاجة وهو أحرز من إمساكه فلا بأس به وفي العدة يسع للمتولي إقراض ما فضل من غلة الوقف لو أحرز. ا هـ. وقدمنا في كتاب الوقف حكم ما إذا أقرض المتولي مال الوقف بأمر القاضي من الإمام فمات مفلسا وفي جامع الفصولين لو استقرض الوصي مال اليتيم وربح به ثم أنفق عليه مدة يكون متبرعا إذا صار ضامنا فلا يتخلص ما لم يرفع أمره إلى الحاكم والأصح أن الوصي لا يملك أن يستقرض ماله وقيل يملكه لو مليا ا هـ. وفي تهذيب القلانسي ويصدق القاضي فيما قاله من التصرف في الأوقاف وأموال الأيتام والغائبين من أداء وقبض. ا هـ. وفي شرح أدب القضاء إقراض القاضي أنفع للصبي وأحوط لماله لكونه مضمونا ولتمكنه من الاسترداد وقالوا الوصي يملك الإيداع لا القرض ولم أر حكم الجد في جواز إقراضه على رواية جوازه للأب والظاهر أنه كالأب لقولهم الجد أب الأب كالأب إلا في مسائل ويجب أن يستثنى من عدم جواز إقراض الأب والوصي المعتمد إقراضه للضرورة كحرق ونهب فيجوز اتفاقا واختلفوا في إعارة الأب مال ولده الصغير وفي الصحيح لا وفي الخزانة إذا أجر الأب أو الوصي أو الجد أو القاضي الصغير في عمل من الأعمال التي تليق به فالصحيح جوازها وإن كانت بأقل من أجرة المثل وقدمنا في أول كتاب القضاء ما يستفيده القاضي بالتولية والله تعالى أعلم.
|